تكريم المرأة: أكرمهن كريم

ما أكرمهن إلا كريم: دراسة في عظمة النساء وأثرهن في المجتمع

تعدُّ النساء جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمعات الإنسانية، ولا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر أو يتقدم إلا من خلال تقدير مكانة المرأة وإعطائها حقوقها كاملة. وعند الحديث عن عظمة النساء وتفردهن، لا يمكن أن نغفل عن المقولة الشهيرة “ما أكرمهن إلا كريم”، التي تحمل في طياتها معانٍ عميقة تتعلق بالاحترام، والتقدير، والاعتراف بفضائل المرأة، ودورها الحيوي في بناء المجتمعات. هذه المقولة، التي قد يظن البعض أنها مجرد عبارة مجازية، هي في الواقع أداة لفهم علاقة الإنسان بالمرأة وسبل تعامله معها.

سنتناول في هذا المقال من خلال عدة محاور كيف تعكس هذه المقولة عظمة المرأة وتأثيرها في مختلف المجالات، كما سنبرز الجوانب الثقافية، الدينية، والاجتماعية التي تعكس مكانة المرأة في مختلف الحضارات. سنعرض أيضًا صورًا مختلفة من تجارب النساء، التي تثبت أنَّ من يكرم المرأة ويقدر دورها يكون كريمًا في حقيقته.

1. المرأة في الإسلام: تكريم لا مثيل له

من أبرز الديانات التي أظهرت تقديرًا كبيرًا للمرأة وجعلت لها مكانة عظيمة هي الديانة الإسلامية، التي تعاليمها تعكس مفهومًا متقدمًا في التعامل مع المرأة. في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، نجد العديد من الآيات والأحاديث التي تدل على عظمة المرأة، وتؤكد على مكانتها الرفيعة، التي لا تقتصر فقط على أدوارها العائلية، بل تمتد لتشمل مجالات التعليم، والتجارة، وحتى القيادة.

أحد أبرز الأمثلة على تكريم المرأة في الإسلام هو الحديث الشريف الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فاطمة بضعة مني”، حيث ربط النبي صلى الله عليه وسلم بين نفسه وبين ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها. وهذا يعكس الاحترام العميق للمرأة في إطار العلاقات الأسرية والمجتمعية.

إضافة إلى ذلك، نجد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تؤكد على حقوق المرأة، ومنها قول الله تعالى: “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة: 228)، والتي تبيّن أن حقوق المرأة مكفولة، وأن هناك توازنًا بين الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة.

2. المرأة في التاريخ: مناهضتها للظلم وصمودها

على مر العصور، كانت المرأة حاضرة في كل جوانب المجتمع، ليس فقط في رعاية الأسرة، بل أيضًا في مجالات أخرى كثيرة. فقد شاركت النساء في الحروب، والاقتصاد، والتعليم، والفن، والسياسة، وأثبتت أنهن لا يقللن قدرة عن الرجال في أي مجال.

في العصور القديمة، كانت بعض الحضارات تُظهر احترامًا بالغًا للمرأة، مثل حضارة مصر القديمة التي أظهرت بعض النساء في أدوار ملكية ودينية هامة. على سبيل المثال، الملكة حتشبسوت التي كانت واحدة من أكثر الملكات شهرة في تاريخ مصر القديمة، وملكة سبأ بلقيس التي كانت تحكم مملكة عظيمة في اليمن.

وقد برزت النساء في العصر الحديث أيضًا كمفكرات، وقائدات، ونشطاء حقوقيين، حيث حملت العديد منهن راية التغيير والتطور في مجتمعاتهن. من أبرز هؤلاء النساء: ماري كوري، التي قدمت إسهامات هائلة في مجال العلوم، ومالكوم إكس الذي ناضلت في سبيل حقوق المرأة السوداء في أمريكا، والعديد من الناشطات اللاتي كافحن من أجل المساواة وحقوق المرأة حول العالم.

3. المرأة في الأدب والفن: تجسيد للعظمة والإبداع

تعد المرأة مصدرًا غنيًا للإلهام في الأدب والفن عبر العصور. فقد شكلت شخصيات النساء في الأدب جزءًا هامًا من الروايات، القصص، والشعر، إذ نجد أن الأدباء والفنانين قد جسدوا عظمة المرأة بطرق مختلفة، سواء كان ذلك في صورة البطولة أو التضحية أو الحكمة أو القوة.

من أبرز الكتاب الذين تناولوا صورة المرأة في أعمالهم: الشاعر العربي حافظ إبراهيم الذي وصف المرأة في قصيدته الشهيرة “الأم” بأنها “أغلى ما في الوجود”. كذلك، لا يمكننا نسيان الإبداع الذي شكلته النساء في مجالات مثل الرسم والنحت والموسيقى.

تجسيد المرأة في الأدب والفن لا يقتصر فقط على إبراز جمالها، بل على عظمتهن وقدرتهن على التأثير في محيطهن. فالعديد من القصص الأدبية تتناول كيفية تصدي النساء للتحديات، وتجاوزهن للظروف الصعبة، مما يعكس حقيقة أن المرأة هي رمز للثبات والصبر.

4. المرأة في المجتمع المعاصر: التحديات والفرص

في العصر الحديث، ورغم كل التحديات التي واجهتها المرأة عبر العصور، فإن المرأة قد حققت تقدمًا ملموسًا في العديد من المجالات. أصبح للنساء الآن دور ريادي في مختلف الميادين: من السياسة، والاقتصاد، والتعليم، والصحة، والتكنولوجيا.

لكن هذا التقدم لم يكن سهلاً أو ميسورًا. ففي العديد من المجتمعات، لا تزال النساء تعاني من التمييز والعنف، بل وأحيانًا الحرمان من أبسط حقوقهن مثل الحق في التعليم أو العمل. ولكن في المقابل، نجد أن النساء في هذه المجتمعات يقمن بحركات احتجاجية، ويتنظمّون من أجل المطالبة بحقوقهن في صورة نضال مستمر يتحدى القيود المجتمعية والثقافية.

من الأمثلة الحديثة التي تدل على تكريم المرأة في المجتمعات المعاصرة، نجد أن الكثير من الدول قد بدأت في منح النساء حقوقًا قانونية متساوية مع الرجال، حيث تم تبني قوانين تحظر التمييز ضد النساء في العمل، وأخرى تدعم حقوق المرأة في الزواج، والطلاق، والميراث.

5. تأثير التربية والتنشئة على تقدير المرأة

إن التربية هي العامل الأساسي الذي يُحدد كيفية تكريم المرأة في المجتمع. ومن المهم أن نعي أن تنشئة الأطفال على احترام المرأة والتأكيد على دورها العظيم في الحياة هو أمر جوهري لبناء مجتمع متماسك ومتقدم.

عند تعليم الأطفال قيم احترام المرأة، والتأكيد على أهمية مساواة الحقوق والفرص بين الجنسين، فإننا نساهم في بناء جيل قادر على تقدير المرأة في جميع أدوارها، سواء كانت زوجة، أمًّا، عاملة، أو قائدة. هذا النوع من التربية لا يقتصر فقط على الأسرة، بل يمتد إلى المدارس والمؤسسات الاجتماعية، حيث يتم غرس قيم العدالة والمساواة بين الجنسين.

6. المرأة والحكمة الاجتماعية: دروس في المساواة

في العديد من الثقافات، تُعطى المرأة مكانة مميزة داخل الأسرة والمجتمع بسبب قدرتها على التأثير الإيجابي في من حولها. فهي تمتلك القدرة على توجيه الأفراد في اتجاهات صحيحة، سواء كان ذلك على مستوى بناء شخصية الأبناء أو خلق بيئة أسرية صحية.

لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن المجتمعات التي تعزز دور المرأة وتكرمها هي أكثر نجاحًا واستقرارًا على كافة الأصعدة. إن التكريم الحقيقي للمرأة لا يكمن فقط في الاعتراف بدورها التقليدي في تربية الأطفال أو رعاية الأسرة، بل يتجلى أيضًا في تمكينها من اتخاذ قرارات تؤثر في مجتمعاتها بطريقة إيجابية، سواء في السياسة أو الاقتصاد أو حتى على مستوى القيم والمعتقدات.

7. خلاصة القول: تكريم المرأة واجب إنساني

المقولة “ما أكرمهن إلا كريم” تحمل في طياتها دعوة عميقة لفهم مكانة المرأة واحترامها. فليس هنالك أكرم من الشخص الذي يعترف بدور المرأة الفعال في المجتمع، الذي يساندها في تحقيق طموحاتها، ويقف إلى جانبها في معركة الحصول على حقوقها. المرأة، سواء كانت أمًّا، زوجة، عاملة، أو قائدة، هي شريك أساسي في بناء المجتمعات. ومجرد إدراك هذه الحقيقة هو بداية الطريق نحو مجتمع أكثر عدلاً وإنصافًا.

قد لا تكون المجتمعات قد وصلت بعد إلى المساواة الكاملة بين الجنسين، لكن المسار نحو هذه المساواة يبدأ من فهم أعمق لحقوق المرأة، ودورها الحاسم في تقدم الأمم. وفي النهاية، تظل المقولة “ما أكرمهن إلا كريم” بمثابة تذكير دائم لنا بأهمية أن نكون من أهل الكرامة في تعاملنا مع النساء، وأن نقدرهم كما يستحقون.